تتشابه الإهتمامات‏...‏ في دور المسنين

تم النشر في 2009

إذا كان الله قد أنعم عليك بحنان الأم واستمرارعطائها وتوجهت اليها لتقديم التهنئة والتعبير الرمزي لها علي الشكر عن كل ما فعلته من أجلك فيجب ألا تنسي أن تبحثي من حولك عمن حرمهم القدر من وجود الأحباب بينهم‏.

إذا كان لك جارة أو قريبة لاتجد من يسعدها في هذا اليوم فتوجهي اليها وقدمي لها التهنئة‏,‏ أما إذا لم تجدي فتوجهي الي أقرب دار مسنين فسوف تجدين هناك الكثيرات ممن ينتظرنك‏..‏ سوف يسعدن بتذكرك لهن ويفرحن بتهنئتك‏..‏ والنماذج تؤكد انتظارهن لك‏.

‏ ووفقا لآخر الاحصاءات المتوافرة التي جاءت في دراسة للمجلس القومي للسكان والتي اجريت منذ فترة وجيزة ثبت إنه يوجد في مصر حوالي‏65‏ دارا للمسنين ـ ربما زاد هذا العدد قليلا في العامين الماضيين ـ منها‏28‏ دارا بالقاهرة وحدها و‏12‏ بالاسكندرية و‏5‏ دور بالجيزة و‏5‏ أخري بالغربية و‏3‏ في الدقهلية وداران في كل من بورسعيد والبحيرة ودار واحدة في كل من الاسماعيلية والفيوم وبني سويف والمنيا واسيوط واسوان‏.‏ وقد شملت الدراسة‏533‏ مسنا من المقيمين في تلك الدور كشفت نتائجها عن أن أكبر نسبة منهم من الأرامل‏(40‏% رجالا و‏70%‏ نساء‏)‏ وانهم لايجدون الرعاية من أسرهم‏.

‏ والغريب أن غالبيتهم لديهم أبناء و‏24%‏ منهم ليس لديهم أبناء‏.‏ ولكن الأمر يتضح عندما تكشف الدراسة عن الاسباب الاقتصادية لاقامة هؤلاء الآباء والأمهات في دور المسنين وهي أن الظروف الاقتصادية قد تضطر الابناء الي اقامة آبائهم بدور المسنين لكي يتمكنوا من الاقامة بالمسكن الذي كان يقيم فيه الاباء‏,‏ وان معظم الاباء جاءوا الي الدور بإرادتهم‏.‏

في إحدي دور المسنين‏(‏ متوسطة التكلفة‏)‏ يوجد جناحان احدهما للرجال والاخر للسيدات‏..‏ كنت اتوقع الشكوي من عقوق الابناء وجحودهم ولكن الشكوي كانت من القدر وتصاريفه التي لا اعتراض عليها‏:‏ س‏.‏م‏(‏ في العقد السابع من العمر‏)‏ قالت‏:‏ كنت أعيش في بيت مكون من ست غرف وحدي بعد أن توفي زوجي منذ أكثر من عشر سنوات ولم ينعم الله علينا بالانجاب كنت أشعر بأنه ابني وصديقي في بداية زواجنا كان عيد الأم مناسبة سعيدة اذهب فيها الي أمي والي حماتي واقدم التهنئة واتمني أن يستجيب الله لدعواتهم لي وان يرزقني بالذرية الصالحة‏,‏ وبعد عدة سنوات أصبح يوما ثقيلا علي نفسي وبمرور السنين وبعد وفاة أمي والتسليم بفقدان الأمل في الانجاب كان زوجي يحضر لي هديه في عيد الأم‏,‏ صحيح كان الأمر في البداية صعبا ولكن بعد ذلك كنت أنتظر منه الهدية بل وأصبحت أسعد بها وبهدايا أبناء اشقائي الذين يحضرون أو يهنئونني تليفونيا‏.‏ بعد رحيل الزوج ـ كما تقول ـ كانت الاقامة في البيت الكبير صعبة للغاية‏,‏ وكنت أعاني الوحدة ومسئولية تنظيف البيت وترتيبه والبحث عمن يساعدني وأصبحت أشعر بأنني وتحولت عبئا علي الأهل الذين يزورونني أو يدعونني لزيارتهم لعدة أيام من وقت لآخر‏.‏

أصبحت أشعر بأن مسئولياتهم وأعبائهم تشغلهم عني وتباعدت زياراتهم وتليفوناتهم واصبحت الاتصالات لمجرد الاعتذار وتقديم المبررات التي ضقت بها ورأيت أن اقامتي هنا هي الحل المناسب‏,‏ وقد عارضوا جميعا في البداية ولكني هنا أجد من هم في مثل عمري‏,‏ فاهتماماتنا متشابهة وهمومنا واحدة والبعض لهم أبناء يزورونهم من وقت لآخر‏,‏ هم أيضا يسألون عني ويعتبرونني أما لهم‏.‏ وعن أكثر ما يؤلمها تقول عندما أري من حرموا من سؤال الابناء‏,‏ لذا أري نفسي افضل حالا منهم‏!!‏ ‏*(..........)‏ تقول‏:‏ كنت أنا وشقيقتي التي تكبرني بعدة سنوات نقيم في بيت العائلة وحدنا‏,‏ طلقت بعد زواج دام‏15‏ سنة لعدم الإنجاب وعدت لبيت العائلة‏,‏ أما هي فقد تعرضت لعدة صدمات حيث توفي ابنها وهو مازال شابا وسبقته شقيقته وهي طفلة وبعد وفاة الابن بعد سنوات توفي الزوج ودخلت في مشاكل مع أهله علي الشقة والميراث وجاءت للإقامة معي‏..‏ الحزن هدها وتدهورت صحتها وكنت أقوم علي خدمتها ولكني أصبت بعدة أمراض ولم أعد أستطع خدمتها فأنا أخدم نفسي بصعوبة‏.‏

وتضيف‏:‏ اشتركت في ناد للمسنين ولكن مع تدهور حالتي الصحية لم أعد استطيع الذهاب إلي النادي وكان هناك زملاء يقيمون في دور للمسنين ويشكرون في الخدمة والرعاية الصحية ففكرت في الاقامة فيها أنا وشقيقتي ولكن ادارة الدور رفضوها لأنها لاتستطيع خدمة نفسها وهو شرط الالتحاق بالدار أما دور المسنين التي تقبل الحالات الصعبة فهي إما باهظة التكاليف ومعاشها من زوجها لايكفي‏,‏ أو بالمجان وهي ترفض الاقامة بها وقد نصحني البعض بإلحاقها بجمعية الوفاء والأمل ولكنها مازالت غير مقتنعة بالإقامة هناك‏,‏ وكان الحل هو احضار ممرضة للعناية بها وسيدة تخدمها‏,‏ ولكن ما يقلقني هو مبيتها بمفردها‏,‏ وانا سوف أذهب اليها اليوم في عيد الأم لأنه أول مرة تقضيه بمفردها‏,‏ أنا اكلمها كل يوم وأخشي إذا تركت الدار واعود للاقامة معها الا أجد مكانا مرة أخري لأن وجود مكان هنا شيء صعب فهناك قائمة انتظار‏.‏ ‏

 وفي احدي الدور الخيرية التي تقدم الخدمة بالمجان وجزء منها بتكاليف رمزية كانت الجولة للتعرف علي حال المقيمات بتلقائية وبساطة ادعيت انني ابحث عن مكان لسيدة مسنة‏,‏ دخلت احدي الحجرات المشتركة‏,‏ مظهر السيدتين المتزاملتين في الحجرة بسيط ينم عن رقة الحال‏,‏ احداهن كانت تغط في نوم عميق أما الاخري فتلهفت الي الحديث فهي كما لاحظت تعشق الحكي وتبحث عمن تحدثه قالت‏:‏ ابني في الزقازيق وحاله علي قده وبنتي حظها شوية‏,‏ تزوجت مرتين فشلت في الأولي وطلقت وتزوجت آخر يعمل في المعمار ورزقه قليل وتأخر في الايجارفطرده صاحب البيت وجاءت لتقيم معي في الحجرة الوحيدة التي أقيم بها ومشاكلها كثيرة وكذلك وابناؤها‏,‏ فدلني أهل الخير علي هذه الدار‏,‏ هنا اكل واشرب ويكشفون علي ويعالجونني‏.‏

وعن احساسها بعيد الأم قالت‏:‏ فيه شباب السنة اللي فاتت حضروا وجابوا لنا ورد وهدايا لكن ابني ساعات يعدي العيد ولايحضر لزيارتي لأنه زعلان لأني تركت بيتي‏..‏ طيب‏..‏ وهو أنا كان عندي حل تاني؟ ** القتيلة‏...‏ تعيش بمفردها‏!‏ ‏*‏ ص‏.‏ع نموذج متكرر‏..‏ ليس لديها ابناء لأنها لم تتزوج‏,‏ قالت‏:‏ كنت أقرأ في الصحف عن جرائم قتل تحدث بهدف السرقة لأن القتيلة كانت تقيم بمفردها وخشيت أن يحدث لي ذلك خاصة ان اخوتي الثلاثة تزوجوا وانجبوا ولم أوفق أنا في أن أصبح زوجة‏,‏ فقد تمت خطبتي مرتين وانا شابة وبعدها رفضت فكرة الزواج لسنوات حتي تقدم بي العمر واصبح علي التنازل وقبول أي زوج مابين طامع في دخلي وميراثي أو طالب خدمة له ولأبنائه‏.‏ وأنا أعيش للعبادة والعمل وحب الناس أما الابناء فليعوضني الله عنهم خيرا‏.‏ ‏

 افتقاد المسن لوجود الابناء لابد من البحث عن سبيل لتعويضه‏..‏ لذا قامت احدي المؤسسات بالمقطم التي قامت بإنشاء بيت الفضل للمسنين وهي من الدور الراقية الي درجة ملحوظة تفوق فخامتها الفنادق ذات الخمس نجوم يتبعها وعلي بعد خطوات قليلة بيت الحمد لرعاية الأطفال الأيتام قامت أخيرا بفصل الاطفال الاناث عن الذكور فأصبح بيت الحمد للذكور فقط في حين انتقلت البنات للاقامة في مبني المسنين في شقق منفصلة كل مجموعة من البنات في شقة مع أم بديلة حتي يعشن الجو الأسري بشكل طبيعي‏.

‏ وكما تقول سهير حامد ـ المشرفة بالدار ـ الابناء يستكملون الاحساس الأسري بوجود الجدات اللاتي يبقين معهن في نفس المبني‏,‏ فمعظم المقيمات بالدار من المسنات غير متزوجات وطبعا ليس لديهن أبناء ويسعدهن جدا وجود الاطفال معهن والبعض منهن يساعدهن في مذاكرة دروسهن‏.‏ حتي الأولاد يحضرون من بيت الحمد في أوقات فراغهم لقضاء بعض الوقت مع الكبار وبذلك يجد كل منهن ما ينقصه لدي الطرف الاخر‏..‏ وسوف نقيم حفلا بمناسبة عيد الأم يجتمع فيه الجميع لتكتمل بهجة هذا اليوم للأطفال والكبار‏.‏

د‏.‏حسن همام استاذ الاجتماع بجامعة‏6‏ اكتوبر يقول إن اقامة الاباء والأمهات في دور المسنين أحيانا تكون ضرورية‏,‏ ولها تأثيرها النفس السلبي علي الطرفين الاباء والابناء‏,‏ فالأم التي تترك بيتها وتعيش في دار مسنين لتترك المكان لابنها ليتزوج فيه كثيرا ما تشعر بالغربة وجفاف المكان‏,‏ والابن يشعر بأنه ظلم أمه وذلك بالرغم من انه يتكلف الكثير لتغطية نفقات اقامتها والكل ينظر اليه في النهاية علي أنه اخرجها من بيتها‏.‏ ويري د‏.‏همام ان زيارة الابناء لهؤلاء الآباء ضرورة واجبة‏.

‏ ولأن دور المسنين بها أيضا من حرموا نعمة الانجاب أو غياب ابنائهم بسبب السفر أو غيره فهو هنا يناشد الشباب تكوين جمعيات لمناقشة ظاهرة الأسر الموجودة في دور المسنين والمشاركة في رعايتهم والتخفيف عنهم في مناسبات مثل عيد الأم ولابأس من تقديم الهدايا اليهم والأهم هو تقديم البسمة واللمسة الحنون‏.‏ وعن تجربة احدي الدور التي قامت بدمج الأطفال الأيتام مع المسنين في دار واحدة قال‏:‏ مادام الطرفان سعيدين بذلك فلا بأس ولكن مع مراعاة ألا يصبح الطفل عبئا علي الكبير‏,‏ فالمسن غالبا يعتز بما يملك لشعوره بأنه يصعب تعويضه ولايقبل أن يعبث أحد بمحتويات حجرته‏,‏ وهي أمور يجب مراعاتها‏.‏

 زيارة المسن‏..‏ لها أصول ‏ *‏ أيضا زيارة المسن لها أصول يجب مراعاتها كما يقول محمد رجب عضو مجلس ادارة الجمعية العامة لرعاية المسنين الذي يوضح أن هناك ثلاثة أنماط من الزيارات لزوار دور المسنين‏,‏ فهناك من يذهب للفرجة ليتعرف علي هذا العالم الغريب عليه‏,‏ وغالبا يسألهم عن أسباب مجيئهم إلي هذا المكان ويبدي تعجبه من قسوة الظروف وقسوة الأبناء فيجعلهم يجترون الذكريات المؤلمة‏,‏ وهذا النمط من الزيارات غير مستحب‏.‏

أما النمط الثاني فهو زيارات فنية مهنية استكشافية يقوم بها متخصصون هدفهم التعرف علي مشاكل المقيمين بالدور واقتراحاتهم ومطالبهم‏,‏ ودائما تكون طريقة الاستيضاح والاستفسار جيدة وباسلوب يرضي المسن ويجعله يشعر بأنه محل اهتمام‏.‏ هناك أيضا من يحبون اسعاد الكبار وهم غالبا من الشباب‏,‏ يحضرون لاقامة حفل شاي وقضاء ساعات معهم وهم يؤدون رسالة في غاية الاهمية وهي كسر جمود الروتين اليومي لحياة المقيمين في دور المسنين حيث كل شيء بميعاد‏,‏ وعيد الأم أفضل مناسبة يمكن أن يتم فيها هذا النمط الأخير من الزيارات المحببة والتي لها تأثير ايجابي جدا‏.‏

ويختتم كلامه مؤكدا أنه لابد من الكف عن الانتقاد الدائم لدور المسنين وتصويرها علي انها سجن وانها نتيجة لسبب واحد وهو الجحود‏.‏ فهي في كثير من الاحيان ضرورة تحل مشكلة كبيرة للمسن خاصة من يعاني الوحدة فيجد فيها الرعاية والخدمة والصحبة ذات الاهتمامات والهموم المشتركة‏,‏ وللعلم الاقامة في دور المسنين هي آخر مايلجأ اليه في رعاية المسنين ولايتم ذلك إلا في حالات الضرورة فلتكن مناسباتنا فرصة للتخفيف عنهم‏.‏