الأسكوا: النمو الهزيل لا يجدي في التخفيف من حدة الفقر في المنطقة

الأردن عمان/25 آذار/بترا/ اظهرت دراستان دوليتان اعدتهما اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الاسكوا) هشاشة الاقتصاد العربي وسرعة تاثره بالصدمات الخارجية. وقالت الدراستان حول (الاتجاهات الاقتصادية في منطقة الاسكوا وآثار الصدمات المرتبطة بها) و(تحليل الأداء الاقتصادي وتقييم النمو والإنتاجية في منطقة الاسكوا) ان المنطقة ومنذ الثمانينيات تشهد أداءً مخيّباً للآمال في النمو الاقتصادي ويتجسد ذلك بانخفاض مستويات رأس المال البشري، ومستويات تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى المنطقة، ومستويات أطر الحكم، وغير ذلك من المشاكل المؤسسية والقانونية والإدارية.

ونبهت (الاسكوا) من ان هذا الأمر يتفاقم مع اضطراب الأحوال السياسية وعدم استقرارها وتجتمع كل هذه العناصر مع تدهور البيئة الخارجية وهبوط كبير في الناتج العالمي لتعيق النمو الاقتصادي المستدام في منطقة (الاسكوا). وتظهر الدراسة الأولى أثر الصدمات الخارجية على اقتصادات بلدان (الاسكوا) والانتقال الديناميكي لحركة هذه الصدمات ضمن الاقتصادات المذكورة إضافة إلى الجهود التي تبذل لفحص آثار واتجاهات روابط وتقلبات الاقتصاد الكلي في هذه المنطقة.

          وتدعو هذه الدراسة إلى إمعان النظر في عوامل الاقتصاد الكلي التي يحتمل أن تؤثر في منطقة (الاسكوا)، وذلك لفهم طبيعة ومنشأ الصدمات وتخفيف أضرارها وإعتماد الردود والعلاجات الملائمة لها. كما تحدد التطورات السياسية وتطورات الاقتصاد الكلي التي من المحتمل أن تؤثر في منطقة (الاسكوا) وتشمل تطورات الاقتصاد الكلي والكساد الحالي في الاقتصاد العالمي وتأثيره على التجارة والاستثمار العالميين وعلى تدفقات التجارة ورؤوس الأموال إلى المنطقة إضافة إلى تقلبات أسعار الفائدة، وأسعار النفط وإيراداته، مع ما يرتبط بها من آثار تظهر في السياسات الخاصة بالعجز المالي، والديون، وعجز الميزانيات في المنطقة.

أما التطورات السياسية فتشمل النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني والأحداث الجارية في العراق. وتصف الدراسة اقتصادات منطقة (الاسكوا) بأنها اقتصادات صغيرة منفتحة وينجم عن هذا الوضع تغيرات في بيئة الاقتصاد الكلي على نطاق العالم والتي تشكل عاملا مهما في تحديد الأداء الاقتصادي للمنطقة مستقبلا فالصدمات التي تصيب الاقتصاد العالمي يمكن أن تؤدي إلى اضعاف أداء النمو، وحتى إلى افساده، وبالتالي إلى تدهور الأوضاع حتى تصل لان تصبح أزمة اقتصادية ومالية مكتملة العناصر.

 وقد دعت الدراسة صانعي السياسات والهيئات الحكومية في منطقة (الاسكوا) لأن يتبينوا مكامن حساسية وضعف اقتصاداتهم في مواجهة الصدمات الخارجية وأن يسعوا إلى تصميم أدوات للسياسة العامة يستطيعون أن يواجهوا بها أثر هذه الصدمات بمزيد من الفعالية، وأن يخففوا من الأضرار التي تلحقها بالأداء الاقتصادي.

 وتشير الدراسة إلى أنه لا بد لبلدان (الاسكوا) من أن تحكم تنسيق السياسات التي تتبعها في مجال الاقتصاد الكلي، وذلك عن طريق تعزيز التكامل الإقليمي مثلا 000فإنشاء منطقة حرة عربية كبرى لن يؤدي فقط إلى تحفيز النمو وتقويته بل أيضا إلى تعزيز التجارة بين بلدان (الاسكوا) وتقليل الاعتماد على التجارة مع بقية أنحاء العالم.

 وينتظر لهذه التدابير أن تخفف من الأضرار التي يحتمل أن تحدثها الصدمات الخارجية المتصلة بأسعار الفائدة الخارجية والناتج العالمي في ميزان التجارة المحلية والميزان المالي وفي نمو الناتج المحلي الإجمالي محسوبا للفرد.

وتبين الدراسة أن تكامل سوق رؤوس الأموال بإمكانه أن يخفف من ضعف بلدان (الاسكوا)، ولا سيما تلك التي ترتفع فيها مستويات الديون كما أن انخفاض تكاليف جمع الأموال سيؤدي الى ازدياد الاستثمار وارتفاع معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي في المنطقة.

 كما دعت الدراسة بلدان (الاسكوا) المنتجة للنفط الى تنويع اقتصاداتها بالتحول عن قطاع النفط الى قطاع الخدمات والقطاع الصناعي، وذلك لتخفيض الانفتاح التجاري المفرط وتقليل الاعتماد الشديد على مساهمات النفط والمنتجات المرتبطة به.

كما تظهر الدراسة وجود حاجة ملحة الى تسريع وتيرة الاصلاحات الاقتصادية والمالية في بلدان (الاسكوا) تجنبا لارتفاع الديون العامة وبغية تخفيف الضغوط الواقعة على المالية العامة ورفع مستوى الاستثمارات ضمن الاقتصادات المحلية لهذه البلدان فلا بد من أن تعجل عملية التكامل التجاري والمالي والاقتصادي وأن تتجه نحو استيعاب أضرار الصدمات الخارجية السياسية منها والمالية والاقتصادية. ودعت الدراسة الى بذل الجهود لتعجيل وتنفيذ الاصلاحات المالية والنقدية الرامية الى زيادة تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الى المنطقة.

أما الدراسة الثانية التي تحمل عنوان (تحليل الأداء الاقتصادي وتقييم النمو والإنتاجية في منطقة الاسكوا)، فتشير إلى أن العوائق المؤسسية، ولا سيما التوتر والمخاطر السياسية، هي من العوامل الرئيسية المؤدية إلى نمو هزيل في منطقة (اسكوا).

 وتظهر هذه الدراسة أنه منذ انخفاض مستوى الاستثمار العام في أواخر الثمانينات لم تحصل زيادة في الاستثمار الخاص تقابل هذا الانخفاض وتعادله أو تفوقه. كما تشير إلى ضعف التكامل التجاري في الاقتصاد الإقليمي والعالمي، فالمنطقة لم تشهد أي ازدهار ملموس في التجارة يربط صناعة المنطقة وزراعتها بالأسواق الإقليمية والعالمية مثلما تشير إلى استمرار تقلب الناتج المحلي الإجمالي مع تقلب أسعار النفط في البلدان التي تصدره.

وفي الآونة الأخيرة، تعاظم خطر تخفيض قيمة العملة في البلدان غير المصدرة للنفط المعرضة للتأثر بالتغيرات في تدفق رأس المال. وتؤكد الدراسة أن هذا النمو الهزيل لا يجدي في التخفيف من حدة الفقر. ففي مطلع فترة انخفاض النمو التي بدأت في أواسط الثمانينات ظل التقدم في كثير من المجالات الاجتماعية، بما في ذلك التعليم والمساواة بين الجنسين وتنمية المجتمع المدني، إما مراوحاً مكانه أو تراجع.

وقد أسهم هذا التراجع في المضمار الاجتماعي بشكل متزايد في نمو الفقر، وكسر الحلقة المفرغة يقتضي التخلي عن الأطر المؤسسية القديمة التي يقوم عليها النمو الاقتصادي, وثمة دلائل كثيرة تشير إلى أن رفع مستوى تراكم رأس المال سيزيد من الطلب على اليد العاملة ويأتي بالتالي بعدد أكبر من الرجال والنساء للمشاركة في الاقتصاد مشاركة أتم.

 وفي سبيل إطلاق دوران عجلة الاقتصاد، تدعو الدراسة إلى زيادة الاستثمار بوجهيه العام والخاص وإلى إنتهاج أسلوب تدريجي انتقائي للتكامل التجاري مسبوق بتدابير عملية للنفاذ إلى الاقتصاد العالمي ككتلة إقليمية. فالتعاون الاقتصادي يقدم الضمانات اللازمة لإحلال الاستقرار وتشجيع الاستثمار والتعاون في المجال المالي ومجالات الاقتصاد الحقيقي يوفر السوق الكبيرة التي تؤمن عائدات كبيرة للاستثمارات والعمق الاستراتيجي الذي يخفف من المخاطر الناشئة عن التوترات السياسية.

وتتناول الدراسة بأجزائها الأربعة قضايا النمو الضعيف والمنخفض وتستخلص نتائج بإمكانها تقويم مسار هذا النمو, كما تتطرق إلى الخيارات السياسية المتاحة في ظل القيود التي تفرضها البيئة السياسية للشرق الأدنى وتقدم دراسة تحليلية وتجريبية لآلية النمو في منطقة (الاسكوا).