في المدن الكبيرة يعاني المسنون العزلة الاجتماعية الزهايمر يؤثر على الذاكرة والتفكير

 

لكل عمر في حياة الإنسان مشاكله الخاصة به من الناحية الصحية، فالطفل يختلف في مراحل نموه الأولى عن المراهق في المشاكل العضوية الصحية وكذلك المشاكل النفسية والعقلية. وكذلك في مرحلة النضج عند الإنسان في عمر تختلف عنها في عمر آخر. بعد سن الخامسة والستين وهو العمر الذي يعتبر دخل فيه الانسان إلى مرحلة الشيخوخة، تبدأ امراض عضوية ونفسية مختلفة عما كان في عمر العشرين او من قبل الستين.

المشكلة الآن التي تواجه العالم أن أعداد المعمرين في تزايد مضطرد في جميع أنحاء العالم.

ففي إحصائية للأمم المتحدة 2009 م  بأن هناك إزدياداً في عدد الذين تزيد أعمارهم عن الثمانين عاماً ما بين عام 1975إلى عام 2000في الدول المتقدمة بنسبة 65%، بينما زاد هذا العدد في الدول الفقيرة بنسبة 138% (تقرير الامم المتحدة عن السكان عام 1988). يرجع هذا السبب إلى التقدم في الرعاية الصحية تطور الخدمات الطبية في معظم أنحاء العالم، وكذلك إلى تحسن الغذاء والعادات الغذائية عند الشعوب مما أدى إلى ارتفاع معدل عمر الانسان. وككل ظاهرة فإن الانسان كلما تقدم في العمر، زادت نسبة إصابته بأمراض عضوية وكذلك الاضطرابات العقلية والسلوكية.

توقعات الامم المتحدة بأن الزيادة في عدد من تزيد أعمارهم عن الثمانين عاماً سوف تتضاعف ثلاثة أضعاف عام 2020م، وهذا يعني بأن العالم سوف يكون به نسبة كبيرة ممن تزيد أعمارهم عن الثمانين عاماً وكذلك الذين تزيد اعمارهم عن المائة عام سوف تتضاعف خاصة في بلدان مثل اليابان وايطاليا وفرنسا والسويد والمملكة المتحدة. وسوف تواجه هذه الدول مشاكل حقيقية في مجال الرعاية الصحية بكبار السن، سواءً الامراض العضوية او الاضطرابات العقلية والسلوكية.

تشير الدراسات إلى أن مرض الزهايمر \"العتة\" يبلغ نسبة الإصابة به في الاشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 65عاماً إلى حوالي ما بين 5إلى 7% بينما يرتفع هذا العدد الى حوالي 12% في الذين تتراوح أعمارهم ما بين 85إلى 90وتزداد بشكل كبير بعد التسعين حتى تصل إلى 47% تقريباً .

وبالإضافة إلى العوامل الفسيولوجية الطبيعية، هناك ظروف اجتماعية تلعب دوراً هاماً في التأثير على حياة المسن مثل :

 

·        العزلة الاجتماعية :

يعاني كثير من المسنين العزلة الاجتماعية، خاصة في المدن الكبيرة. وربما يكون ذلك في الدول المتقدمة أكثر من الدول النامية الفقيرة، حيث لا تزال بقايا من تقاليد وأعراف وكذلك يلعب الدين دوراً مهماً في بعض المجتمعات في بقاء المسن داخل أسرته، ويحظى المسن في كثير من الاحيان برعاية أقاربه من الدرجة الأولى، ويقيم معهم.

وفي دراسة أجريت في جامعة الملك سعود (رسالة ماجستير للطالبة سميرة جمال المشهراوي ، 1418ه - 1998م بعنوان الروابط الأسرية وصلتها بمشكلات كبار السن) وجدت الباحثة بأن المسن يميل لأن يقيم مع أقاربه من الدرجة الأولى (بلغت نسبة المسنين الذين يعيشون مع أقارب من الدرجة الاولى في الرياض حوالي 94% مقابل 3.2% يعيشون مع أقارب من الدرجة الثانية) بالرغم من ذلك فإن أكثر من 40% من المسنين يشكون من الوحدة وأن حوالي 34% من المسنين يشكون بأن أبناءهم لا يهتمون بهم، رغم أنهم يعيشون معهم.

 وكذلك وجدت الدراسة بأن هناك علاقة طردية بين سوء المعاملة من المحيطين بالسن وانخفاض احساس المسن بدرجة ترابط الاسرة. وهذه المشاكل لها اثارها السلبية على حياة المسن، وتشعره بعجم التوافق مع الظروف الاجتماعية.

على الرغم من أن مشكلة عزلة المسنين ليست مشكلة كبيرة لدينا الا أنه مع تطور الحياة، واتجاه الشباب نحو السفر والهجرة من القرى والمدن الصغيرة الى المدن الكبيرة، خاصة العاصمة، جعل هناك نسبة لا بأس بها من المسنين يعانون الوحدة وأحياناً، يعيشون وحدة موحشة، خاصة اذا لم يكن لهم أبناء، ويعيشون في مدن كبيرة، ينشغل فيها الناس بأعمالهم، وصعوبة التواصل بين المسن وأقاربه خارج نطاق قرابة الدرجة الأولى، الذي يكونون أحياناً أيضاً مشغولون بكسب رزقهم خاصة اذا كانت الزوجة تعمل هي وزوجها، ويعيشون في مساكن صغيرة حديثة ليس بها متسع للوالدين كي يعيشوا مع الابن أو الابنة.

·        العجز

بالإضافة إلى الوحدة، فبعض كبار السن يعانون من العجز نتيجة أمراض عضوية أو نفسية. المسن إذا كان عاجزاً فإن مشاكله النفسية والعقلية تتفاقم، خاصة إذا لم يكن بالقرب منه شخص قريب، وفي نفس الوقت يعتني هذا القريب بالمسن عناية خاصة، اذا كان يعاني من العجز او أحد الأمراض المزمنة مثل : السكر، ارتفاع ضغط الدم، أو إيا من الامراض العضوية المزمنة الأخرى.

ويعتمد ايضا العجز على الحالة المادية للمسن. فكما وجدت دراسة سميرة المشهراوي في الرياض، فإن اكثر المسنين يعانون من تدني الدخل، اذا كان متوسط الدخل بالنسبة للمسن حوالي 2000ريال وهذا مبلغ بسيط خاصة اذا كان المريض عاجزاً ويحتاج للرعاية الصحية المستمرة والذهاب الى المستشفيات وشراء بعض أنواع الأدوية التي قد لا تتوفر في المستشفيات العامة.

 العجز والفقر أو العوز من اسباب تدهور الحالة النفسية للمسن، ورعاية المسنين من الامور التي تكلف مبالغ طائلة للحكومات في الغرب. ففي دول مثل السويد مثلاً إذا كان المسن عاجزاً فإن الدولة ملزمة بتوفير ممرض او ممرضةلمدة 24ساعة لكل مسن، أي أن المسن يكون تحت رعاية طوال اليوم من ممرض أو ممرضة متفرغ له وحده.! وهذا وحده أمر بالغ التكلفة، فإذا اضفنا الى ذلك الادوية والمعدات التي يحتاجها المسن فعندئذ يتبين كم هي صعبة ومكلفة عملية رعاية المسن العاجز .!!

·        التقاعد :

معظم المسنين لا يعملون لذلك يشعرون بعدم جدواهم في المجتمع، وبعضهم يحس بأنه عالة على المجتمع، خاصة إذا كان يقوم بعمل مهم عندما كان شاباً. فأكثر المسنين ليس لديهم عمل وليس لديهم ايضا تسهيلات ترفيهية يقضون فيها أوقاتهم. حتى الاعمال التطوعية قد لا يقبل بها المسن. وهذا يضيف ضغطاً نفسياًعلى المسن. وكذلك في معظم الدول العربية لاتوجد جمعيات او هيئات تقوم بالرعاية الترفيهية للمسنين، حتى ولو بشكل بسيط.

كثير في الدول العربية يعتقدون بأن المسن يجب أن يستريح، ويبقى في المنزل لا يفعل شيئاً .!!

وهذا واقعياً ليس صحيحاً، اذ أن المسن يحب أن يكون له دور في المجتمع، ويحب أن يشارك في الانشطة الاجتماعية، وسوف يكون سعيداً بأن لو عمل حتى بمرتب زهيد، ولكن ذلك يجعله يشعر بقيمته، ويشعر بأنه يؤدي شيئاً مفيداً للمجتمع، وليس هو كماً مهملاً يعيش على هامش هذه الحياة.

أكثر الاضطرابات العقلية والسلوكية التي تظهر مع التقدم في السن، هي :

1.     خرف ما قبل الشيخوخة (الخرف المبكر).

2.     خرف الشيخوخة.

3.     خرف تصلب شرايين المخ.

4.     ذهان الشيخوخة الوجداني.

5.     فصام الشيخوخة.

6.     حالات الهذيان.

7.     أنواع أخرى مثل الصرع، زهري الجهاز العصبي، اورام المخ، هبوط القلب .. الخ هذه الاضطرابات.

وسنتحدث عن كل حالة بتفصيل مقبول، وما يتسع له المساحة في جريدة يومية، وربما قد يستغرق إكمال ما لم نستطع تغطيته في الحلقة القادمة.

 

 

 

·        العته (الخرف) :

كما ذكرنا في بداية المقالة عن مدى انتشار هذا الإضطراب بين كبار السن، وذكرنا نسبة الحدوث المرض.

عادة مايكون الاضطراب مصاحباً لتدهور الذاكرة والتفكير وكذلك القدرة على التعلم، وصعوبة في ايجاد الكلمات، وعدم القدرة على الحكم على الاشياء بشكل سليم، وكذلك تدهور في التحكم في المشاعر، والسلوك الاجتماعي أو الدوافع. قد يختلط مرض العته مع اضطرابات نفسية أو عقلية آخرى كثيرة الحدوث عند كبار السن، مثل الاكتئاب أو الامراض العضوية.

اهم اعراض العته هو تدهور الذاكرة. فالشخص الذي يعاني من العته، يبدأ ضعف الذاكرة عنده تدريجياً. وقد لايلاحظ ذلك الاقارب والاصدقاء في البداية، ولايتمكنوا من التنبه إلى هذا الامر بعد فترة من الوقت قد تصل إلى سنوات. ففي بداية المرض قد يستطيع المريض تسيير امور حياته اليومية الروتينية، ثم تدهور القدرة على التذكر، فيصبح المريض غير قادر على تذكر ابسط الاشياء. ويتضايق جداً عندما يطلب احد من المحيطين به مساعدته على تذكر اشياء روتينية، وربما يصبح عصبي المزاج وعنيف لتغطية مايعني من مشاكل في الذاكرة.

يبدأ المريض في التدهور من ناحية التفكير والاستنتاج وعدم القدرة على استخلاص الافكار المفيدة، ولايستطيع التمييز بين الاشياء بشكل كبير، وربما اوقع نفسه في مشاكل مالية أو اجتماعية مثل ان يسرف في صرف الاموال ولايستطيع معرفة ماذا فعل بها؟ أو ان يتورط في علاقات عاطفية مع اشخاص من الطرف الآخر، لاتصب في مصلحته، وانما تكون للابتزاز أو وراءها مصالح مادية أو اجتماعية.

كذلك يصعب على الشخص الذي يعاني من العته ان يجاري الآخرين في الاحاديث وقد يخرج خارج الموضوع ويدخل مواضيع ليست ذات علاقة بما يدور من احاديث، واذا حاول احد تصحيح مايقول فإنه يغضب وربما ترك المجلس احتجاجاً، وقد يتهم الآخرين بأنهم لايحترمونه بأنهم لايحترمونه ولايقدرون مايقول.